الشباب بين الشك واليقين

عبدالرحيم البياري

حين هممت بكتابة هذه السطور، لم أكن أعلم إلى أين سوف أتجه بالقارئ، فمن الصعب جداً أن تكون بين طرفين يعاني كلاهما من الجمود؛ الشباب والحكومة، ولا أقصد هنا الحكومة الحاليّة. لعل أبرز التحديات هي الفكر السائد الذي يتم توارثه عبر الحكومات المتعاقبة حول التشكيك بقدرات الشباب على التغيير ولعب دور أساسي في إثراء العملية السياسية في المنطقة، كما أن هذه الغاية لن يتم تحقيقها إلا إذا آمن الشباب الأردني بدوره المحوري على التغيير وانتزع حقة بالمشاركة السياسية من خلال صناديق الانتخاب والأحزاب والنقابات المهنية.

بعد الرجوع إلى مقالات ودراسات عديدة كانت تعنى بالأنشطة الحكومية عبر العقود المنصرمة حول إمكانية دمج وتشجيع الشباب على المشاركة السياسية؛ وجدنا أننا نعيش في دائرة مغلقة من الوعود والانصياع للواقع وعدم المقدرة على التغيير، فأخذتني الذاكرة الى يوم انتخاب مجلس الطلبة في احدى المدارس الحكومية التي قمت بالعمل بها كمدرس للتربية الوطنية والتاريخ في الأردن. الفكرة بحد ذاتها جميلة وتشكر وزارة التربية على وجود برلمانات طلابية داخل المدارس، لكن ما حدث يومها من تدخل المدرسين في العملية الانتخابية لاختيار أعضاء البرلمان داخل الصفوف وفق أمزجتهم قد قتل الكثير من الحماس بعيون هؤلاء الأطفال بتلك المدرسة… التطرق لمثل هذه الحادثة يجعلنا نؤمن بدورنا على التغير في المجتمعات الصغيرة كالمدارس والجامعات، وهي ما تزرع داخل الأفراد النزعة الإيجابية والروح المتفائلة المؤمنة بقدرتها على التغيير.

 لعل عزوف الشباب عن المشاركة السياسية لم يأت بين ليلة وضحاها، بل أن الحكومات المتعاقبة كان لها الأثر الكبير في ذلك، بالإضافة طبعاً لرضوخنا وعدم محاولة التمرد والخروج عن القطيع، وما زلنا نؤمن حتى اليوم بأن من يغير واقع الشباب هم الشباب، بينما هي عملية مشتركة تتطلب من جميع الأطراف التي ساهمت في تكوين المشكلة أن تساهم في بناء الحل. هناك الكثير من الأرقام والدراسات التي تعبِّر عن الحاجة للتغير، والتي دائما ما تدفع جلالة الملك عبد الله الثاني بالتشديد على ضرورة اشراك الشباب بالعمل السياسي من أجل مستقبل سياسي أفضل للمجتمع وللدولة، وهذا واضح في الأوراق النقاشية الهامة والتي أخفقت الحكومات المتعاقبة على تحويلها إلى برامج عملية تنعكس في صنع السياسيات وتقييمها وتطويرها.

نحن بحاجة ماسة الآن لفتح آفاق حوار جاد وغير تقليدي، ومناخ تربوي يعزز روح المشاركة السياسية داخل القطاعات التعليمية، كما أننا بأمس الحاجة أيضاً إلى حلول اقتصادية من شأنها أن تساهم في خلق فرص عمل جديدة للشباب حتى يتسنى للشباب أن يمارسوا دورهم بكل ما أتيح لهم من أدوات حالية، لأن المستقبل الذي هم بانتظاره هم من يصنعه الآن، فهل نحن مستعدون للمشاركة في التغيير؟!

*باحث وكاتب في قضايا التعليم والشأن السياسي، حصل على البكالوريوس في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى